الاثنين، 20 مايو 2019

المتلازمات القرآنية

أحيانا تجد في القرآن عدة أوصاف لشيء واحد متتالية إن اجتمعت في هذا الشيء انطبقت عليه وإذا انطبق عليه أحدها لزم انطباق جميع الأوصاف الأخرى عليه لترابطها إلزاما مع بعضها البعض ولعدم انفكاكها عن بعضها البعض وبذلك يمكن معرفة باقي صفات هذا الشيء بمعرفة صفة واحدة منه وهذه هي المتلازمة القرآنية ... فمثلا تجد أن العقاب الرباني أو الوعيد الواحد يكون لعدة أشياء مجتمعة إن اجتمعت استحق صاحبها الوعيد وليس لشيء واحد، لكن من وُجِد فيه شيء واحد من الأشياء المذكورة لزم أن تكون جميعها موجودة فيه، أي من وُجِد فيه أحدها وُجِد فيه كلها، كما في سورة الماعون، فالذي يكذب بالدين لزِم أن يكون قاسي القلب يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، وكذلك قاسي القلب الذي يدع اليتيم لزِم أن يكون من المكذبين بالدين ولا يحض على طعام المسكين، فالمؤمن رقيق القلب ليس كالملحد. وفي الآيات التالية "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون" كذلك، المصلون، الساهون عن صلاتهم، فالساهي عن صلاته لزم أن يكون من المرائين بأعمالهم ولزم أن يكون قاسي القلب فاسد الخلق يمنع الماعون، وكذلك قاسي القلب فاسد الخلق الذي يمنع الماعون لزم أن يكون ساهٍ عن صلاته ولزم أن يكون من المرائين بأعمالهم ... وهكذا. فالساهي عن الصلاة تاركها كالملحد فالسلوك يؤثر في المعتقد وهذا ثابت عند أهل العلم.

مثال
إقرأ الآيات التالية واستنتج من هم أولي الألباب واستنتج من هم الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق واستنتج من هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ... إلى آخره بنفس الطريقة أعلاه.
توضيح:
من كان من أولي الألباب لزِم أن يكون من الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، ولزم أن يكون من الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ولزم أن يكون من الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، ولزم أن يكون من الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ولزم أن يكون من الذين أقاموا الصلاة ولزم أن يكون من الذين أنفقو مما رزقهم الله سرا وعلانية ولزم أن يكون من الذين يدرءون بالحسنة السيئة. فإذا أخذنا أي شيء مما ذكر لزم وجود باقي الأشياء فيه، فمن وُجِد فيه أحدها وُجِد فيه كلها، بمعنى أنك إن تيقنت وجود أحد هذه الصفات في عبد من عباد الله تعالى فتأكد أن باقي الصفات موجودة فيه حتى وإن لم ترها بعينك، فمثلا الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم لزم أن يكونوا من أولي الألباب، ولزم أن يكونوا من الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ... إلى آخره.

{ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب ( ١٩ ) الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ( ٢٠ ) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ( ٢١ ) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار ( ٢٢ ) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( ٢٣ ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ( ٢٤ ) والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ( ٢٥ ) } [سورة الرعد]

مثال آخر
{ ... ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( ٢ ) ويرزقه من حيث لا يحتسب ... ( ٣ ) } [سورة الطلاق]
من يتق الله لزم أن يجعل له مخرجا ولزم أن يرزقه من حيث لا يحتسب ومن جعل الله له مخرجا لزم أن يكون ممن يتق الله ولزم أن يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يرزقه الله من حيث لا يحتسب لزم أن يكون ممن يتق الله ولزم أن يجعل الله له مخرجا ... فإن قال أحد أن هناك الكثير ممن لا يتقون الله وقد جُعِل لهم مخرجا قلنا مخرجهم منهم وليس من الله وكذلك الذين يرزقون من حيث لا يحتسبون وهم كفار قلنا إن رزقهم ليس من الله ولكن رزقهم بينهم فالكافر دائما موكل بنفسه والله تعالى ليس وكيله فلا يرزقه الله تعالى بنفسه ولا يجعل له مخرجا بنفسه وإنما ذلك للمتقين. قال تعالى "{ إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ( ١٩٦ ) } [سورة الأعراف]"
وقال تعالى "{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ( ١١٥ ) } [سورة النساء]" أي أن الكافر الذي يتولى أي سبيل غير سبيل المؤمنين من الإيمان بالله وتولي الله والتوكل عليه يوليه الله تعالى ما تولى فَلَو تولى العلم ولاه الله تعالى العلم ولم يتوله بنفسه ومن تولى الناس ولاه الله تعالى الناس ولم يتوله بنفسه إلا المؤمنين فإنه يتولاهم بنفسه

مثال
﴿وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِها وَلَكُم فيها مَنافِعُ كَثيرَةٌ وَمِنها تَأكُلونَ﴾ [المؤمنون: ٢١]
متلازمة صحيحة فالأنعام التي نسقيكم من بطونها يلزم أن يكون لنا فيها منافع كثيرة ويلزم أن نأكل منها، وكذلك الأنعام التي لنا فيها منافع كثيرة يلزم أن نسقيكم مما في بطونها ويلزم أن نأكل منها، وهكذا

مثال
﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أَليمٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [النور: ١٩]
فكل من لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة يلزم أن يكونوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فليس هناك ممن لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ولا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، بل الجميع يحبون. فهذه متلازمة صحيحة.

كذلك ليس كل وصف لعدة أشياء لزم أن يكون من المتلازمات القرآنية فيجب وضع ضوابط لمعرفة المتلازمات من غيرها، مثالة آيات آخر سورة الفرقان التي تتحدث عن صفات عباد الرحمن فليس كل من فيه صفة واحدة من صفات عباد الرحمن المذكورة لزم وجود باقي الصفات فيه فهذه الآيات ليست متلازمة قرآنية.

فائدة المتلازمات القرآنية هي الكشف عن باقي صفات الشيء بثبوت معرفة صفة واحدة فقط فمثلا لو أردت معرفة صفات الإنسان الذي أمامك عندما يثبت لك صفة واحدة منه، فإذا وجدت هذه الصفة في متلازمة قرآنية عرفت باقي صفاته غيبا دون أن تراها فيه بأم عينك لأن المتلازمة تكشف عن باقي صفاته، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق