الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

فَأتِ بِآيَةٍ

﴿ما أَنتَ إِلّا بَشَرٌ مِثلُنا فَأتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ﴾ [الشعراء: ١٥٤]

حين تَدَّعي شيئا عظيما أو غريبا أو تروي عن نفسك شيئا غريبا للناس فلن يصدقوك حتى تأتي بدليل على صدق كلامك، فأنت بشر يجوز منك الصدق ويجوز منك الكذب، خاصة إذا كان فيما ترويه إلزام للسامع بشيء وهذا من حق السامع وليس في ذلك عيب أو مأخذ، لذلك كانت الرسل عليهم السلام يُدَعَّمون بالمعجزات التي تؤكد صدقهم، فسبحان الله العظيم.

عذاب شديد

﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الهُدهُدَ أَم كانَ مِنَ الغائِبينَ ۝ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَديدًا أَو لَأَذبَحَنَّهُ أَو لَيَأتِيَنّي بِسُلطانٍ مُبينٍ﴾ [النمل: ٢٠-٢١]

قانون رباني، من يعصِ يعذب عذابا شديدا، فحين يعصيك أحدهم ستغضب وإذا غضبت فإن إحساسك أنك تريد أن تفتك به فلا يكفيك فيه رد عدوانه بمثله ولكن تريد أن تفتك به وتعذبه عذابا شديدا لكي يبرد قلبك، هكذا يكون جزاء العصيان: عذاب شديد.

قُل كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا

﴿وَقالوا أَإِذا كُنّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنّا لَمَبعوثونَ خَلقًا جَديدًا ۝ قُل كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا ۝ أَو خَلقًا مِمّا يَكبُرُ في صُدورِكُم فَسَيَقولونَ مَن يُعيدُنا قُلِ الَّذي فَطَرَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنغِضونَ إِلَيكَ رُءوسَهُم وَيَقولونَ مَتى هُوَ قُل عَسى أَن يَكونَ قَريبًا ۝ يَومَ يَدعوكُم فَتَستَجيبونَ بِحَمدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لَبِثتُم إِلّا قَليلًا﴾ [الإسراء: ٤٩-٥٢]

هل سيعيد الله تعالى يوم القيامة خلق كل شيء حتى الحجارة والحديد؟ الجواب:نعم.

وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ

﴿وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَما كانَ لِيَ عَلَيكُم مِن سُلطانٍ إِلّا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلوموني وَلوموا أَنفُسَكُم ما أَنا بِمُصرِخِكُم وَما أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أَشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢]

القرآن ليس فيه مجاز، وقوله لما قضي الأمر أي في الماضي فمتى كان ذلك؟ هل الزمن دوار حين ينتهي يبدأ من جديد؟، فأنا موجود الآن وسابقا في نفس الوقت فما أفعله الآن فعلته من قبل، وقد قال الشيطان ذلك من قبل وقد قضي الأمر من قبل وما نفعله الآن فعلناه سابقا، "خلقَ اللهُ الخلْقَ وقضى القضيةَ وأخذَ ميثاقَ النبيينَ وعرشُهُ على الماءِ فأخذَ أهلَ اليمينِ بيمينِهِ وأخَذَ أهلَ الشقاءِ بيدِهِ اليُسْرَى وكلْتَا يَدِيِ الرحمنِ يَمِينٌ فقال يا أهلَ اليمينِ قالوا لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ قَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ثُمَّ خَلَطَ بَيْنَهُمْ فقال قائِلٌ منهم رَبِّ لَمَ خَلطتَ بيننَا فقال لَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً من بَعْدِهِمْ فخلقَ اللهُ الخلقَ وقَضَى القضيةَ وأخذَ ميثاقَ النبيينَ وعرْشُهُ على الماءِ فأهلُ الجنةِ أهلُها وأهلُ النارِ أهلهُا فقال رجلٌ منَ القومِ فَفِيمَ العملُ يا رسولَ اللهِ فقال يعملُ كلُّ قومٍ لِمَا خُلِقُوا لَهُ أهلُ الجنةِ يعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ وأهلُ النارِ يعملُ بعملِ أهلِ النارِ فقال عمرُ بنُ الخطابِ يا رسولَ اللهِ أرأَيْتَ أعمالَنا هذِهِ أشيْءٌ نَبْتَدِعُهُ أوْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ منه قال اعملُوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له قال الآنَ نَجْتَهِدُ في العبادةِ
الراوي : أبو أمامة الباهلي.
المحدث : الهيثمي.
المصدر : مجمع الزوائد.
الصفحة أو الرقم: 7/192.
خلاصة حكم المحدث : فيه سالم بن سالم وهو ضعيف.
التخريج: أخرجه الطيالسي (1226)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (1/139)، والطبراني (8/288) (7943) مختصراً."

بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ

﴿وَقَولِهِم إِنّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللَّهِ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلوهُ يَقينًا ۝ بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزًا حَكيمًا﴾ [النساء: ١٥٧-١٥٨]
﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِدريسَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا ۝ وَرَفَعناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٦-٥٧]
"... وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ ... صحيح مسلم."

يرفعه الله تعالى إلى السماء بجسده ... أي شفافية يصل إليها العبد حتى يرفع بجسده إلى السماء وأي طهر وأي نقاء؟

رقة الأنثى

﴿قالَت يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في أَمري ما كُنتُ قاطِعَةً أَمرًا حَتّى تَشهَدونِ ۝ قالوا نَحنُ أُولو قُوَّةٍ وَأُولو بَأسٍ شَديدٍ وَالأَمرُ إِلَيكِ فَانظُري ماذا تَأمُرينَ ۝ قالَت إِنَّ المُلوكَ إِذا دَخَلوا قَريَةً أَفسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفعَلونَ ۝ وَإِنّي مُرسِلَةٌ إِلَيهِم بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرجِعُ المُرسَلونَ ۝ فَلَمّا جاءَ سُلَيمانَ قالَ أَتُمِدّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيرٌ مِمّا آتاكُم بَل أَنتُم بِهَدِيَّتِكُم تَفرَحونَ﴾ [النمل: ٣٢-٣٦]

أنظر إلى رقة الأنثى ... وطنها ومُلكها مهدد بغزو خارجي قد يبيدها ومُلكها وشعبها، وهي لا تجد الحل إلا في التودد والتلطف والتحنن مع هذا العدو لعله يرجع عن غزو بلادها، ولا تجده في رد عدوانه بعدوان مثله وهي التي لديها جيش قوي يستطيع رد العدوان، فتختار التودد بإرسال هدية جميلة لهذا الغازي لعل قلبه يرِق، وانظر إلى حاشيتها من الملأ الذين حولها من الرجال، يقولون لها بإشارة منك سينطلق جيشنا ليبيد هذا المعتدي، ثم لا تجد كل ذلك مجديا فهي تريد التودد والتلطف والتحنن وهذا طبع الأنثى. فسبحان الله العظيم!

الإرادة

﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

الجماد يأخذ إرادته من إرادة من يملك أمره فالجدار أخذ إرادة الإنقضاض من رخاوة التراب، والسكين تأخذ إرادة القطع من اليد التي تمسك بها، مثل الطفل الذي يأخذ إرادته في فعل شيء من إرادة والده، والحصان الذي يأخذ إرادة السرعة من إرادة صاحبه الذي يستحثه على ذلك، فالإرادة تنتقل كما تنتقل الكهرباء في الأسلاك بغض النظر عن القدرة على إنفاذها ... وأنت حين تدعو الله تعالى تريد أن تؤثر على إرادته فيريد ما تريد فينفذه فتتحقق رغبتك ... هذا هو الدعاء، أما دعاء الأصنام فهي لن تريد ما تريد بدعائك لها لأنها لا تسمعك، وليس لديها القدرة على تنفيذه، فهي لا تملك تنفيذ ما تريد لو فرضا سمعتك، كالجدار الذي يريد أن ينقض ولكن لا يستطيع الإنقضاض "﴿إِن تَدعوهُم لا يَسمَعوا دُعاءَكُم وَلَو سَمِعوا مَا استَجابوا لَكُم وَيَومَ القِيامَةِ يَكفُرونَ بِشِركِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]". والآية تدل على أن الرغبة التي في الصدر التي تستحث شيئا ليحدث غير فعالة بتاتا، وإلا لذكر في الآية هذه الرغبة، ولكنه ذكر السمع فقط وهو ما يتفاعل مع النطق وليس الرغبة الصامتة في الصدر، لأن الداعي يكون صدره ممتلئ بالرغبة في التأثير على المدعو ولكن هذا لا يفيد، لأن الله تعالى نفسه أمر بالدعاء كشرط للإستجابة ولم يكتف بالرغبة الداخلية أو الحاجة الداخلية للعبد ليستجيب له، فأمر بالدعاء والتوجه إليه به، ولكن ليس السمع فقط هو الذي يؤثر بل كذلك النفخ كما كان يفعل سيدنا عيسى عليه السلام فكان ينفخ في الطين فيكون طيرا بإذن الله "﴿إِذ قالَ اللَّهُ يا عيسَى ابنَ مَريَمَ اذكُر نِعمَتي عَلَيكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُكَ بِروحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي المَهدِ وَكَهلًا وَإِذ عَلَّمتُكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَالتَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَإِذ تَخلُقُ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإِذني فَتَنفُخُ فيها فَتَكونُ طَيرًا بِإِذني وَتُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذني وَإِذ تُخرِجُ المَوتى بِإِذني وَإِذ كَفَفتُ بَني إِسرائيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِالبَيِّناتِ فَقالَ الَّذينَ كَفَروا مِنهُم إِن هذا إِلّا سِحرٌ مُبينٌ﴾ [المائدة: ١١٠]". فسبحان الله العظيم.

قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ

﴿فَأَكَلا مِنها فَبَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ۝ ثُمَّ اجتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيهِ وَهَدى﴾ [طه: ١٢١-١٢٢]

لقد بدأ كل منهما تعامله مع الآخر بما هو أهله، فقد بادر آدم ربه بالمعصية والغواية، وبادر الله تعالى آدم بالتوبة والهداية "﴿قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُم أَعلَمُ بِمَن هُوَ أَهدى سَبيلًا﴾ [الإسراء: ٨٤]".

ممتلئ بِهَمٍّ ما

﴿وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنها وَنَسِيَ ما قَدَّمَت يَداهُ إِنّا جَعَلنا عَلى قُلوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهوهُ وَفي آذانِهِم وَقرًا وَإِن تَدعُهُم إِلَى الهُدى فَلَن يَهتَدوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٥٧]

إن كل آية في كتاب الله تعالى كيان قائم بذاته، وهو خزان لحكم عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، ويتأتى فهم الآية ليس بالقراءة المباشرة، ولكن أن تكون ممتلئا بِهَمٍّ من شيء ما ثم تقرأ الآية بالصدفة أو تتذكرها فترى فيها ما لا يرى من لا هَمَّ به، فتدرك عظمة الحكمة الموجودة في الآية، وتخفى عليك منها باقي الحكم، وهي لا محدودة، فقد قالها اللا محدود، الله تعالى سبحانه!

حين يأذن الله بالفرج

﴿إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ﴾ [الأنفال: ٩]
﴿وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدرٍ وَأَنتُم أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ ۝ إِذ تَقولُ لِلمُؤمِنينَ أَلَن يَكفِيَكُم أَن يُمِدَّكُم رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنزَلينَ ۝ بَلى إِن تَصبِروا وَتَتَّقوا وَيَأتوكُم مِن فَورِهِم هذا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ﴾ [آل عمران: ١٢٣-١٢٥]

حين يأذن الله بالفرج يأتي واسعا غامرا مبهراً بلا حدود ... وعدهم الله ألفا، وهذا يكفي ويزيد، ولكن أمدهم بثلاثة ثم جعلها خمسا وهذه سعة ما بعدها سعة، يعد بألف ثم يجعلها خمسا ... ما هذا الكرم ... متى أذن الله بالفرج فلن يرضى بإعطاء القليل بل يغمر غمرا.

كلمة في المجاز في القرآن الكريم

﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه، فلا يوجد مجاز في القرآن الكريم كله. وأمثال الآية أعلاه كثيرة جدًّا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، كقوله تعالى "﴿إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلومًا جَهولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]"، وحديث حنين الجذع للرسول عليه السلام والحجر الذي كان يسلم عليه بمكة. وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها ؛ لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة، وهذا واضح جدًّا. وقد قال بعدم وجود المجاز في القرآن الكريم كله كل من شيخ الإسلام إبن تيمية وتلميذه إبن القيم رحمهما الله تعالى.

رجل عنده موهبة

﴿يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ أَفتِنا في سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلّي أَرجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمونَ﴾ [يوسف: ٤٦]

رجل عنده موهبة، لم يكن يحلم أن موهبته هذه ستنفعه، ولكن الله تعالى فقط بيده موعد نفعها، فلما حان وقتها وحان قطاف نفعها فتح الله تعالى له بها باب المُلْك ليصبح بهذه الموهبة مَلِك مصر، فمن كان لديه موهبة ولا يعلم كيف يستفيد منها فلينتظر، فالله تعالى سيدبر أمر الإستفادة منها فائدة عظيمة ... كان لدى نبي الله يوسف عليه السلام موهبتان، أحدها ظاهرة وهي جمال شكله فكانت وبالا عليه أدخلته السجن وأخرى باطنة وهي تفسير الرؤى وهذه جعلته يتولى مُلْك مصر، فسبحان الله العظيم.

لحظة خلق السماوات والأرض

يستطيع الناظر إلى السماء رؤية لحظة خلق السماوات والأرض وهي تخلق منذ ٤.٥ مليار سنة لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء فالنجوم التي كان يمكن رؤيتها من على الأرض في ذلك الوقت ستظل ترى حتى قيام الساعة لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء والصورة ستظل محفوظة حتى قيام الساعة فالناظر إلى السماء ينظرإلى تاريخ الكون فَلَو نظرت إلى نجم معين وكان بعده عنك يساوي مليار سنة ضوئية فأنت تنظر إلى نجم موجود من مليار سنة مضت لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء فلذلك حين قال إبراهيم عليه السلام "﴿قالَ بَل رَبُّكُم رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ الَّذي فَطَرَهُنَّ وَأَنا عَلى ذلِكُم مِنَ الشّاهِدينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦]" فقد كان يتكلم عن أنه نظر في السماء إلى جهة رأى فيها السماوات منذ ٤.٥ مليار سنة، أي نجوم عمرها ٤.٥ مليار سنة وهو وقت فطر السماوات والأرض.

الفكرة

﴿سَواءٌ مِنكُم مَن أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَن هُوَ مُستَخفٍ بِاللَّيلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ۝ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ يَحفَظونَهُ مِن أَمرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ ۝﴾ [الرعد: ١٠-١١]
﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعضَهُم بِبَعضٍ لِيَقولوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم مِن بَينِنا أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِالشّاكِرينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]

الذي يدخل الجنة أو النار هي الأفكار والفكر الذي يضمره البشر، فالفكر هو الذي يصدر العمل ويؤثر عليه، والعمل هو الذي يحاسب عليه البشر ... لماذا الكفار كفار والمؤمنون مؤمنون؟ ... لماذا اختار الكفار الكفر والمؤمنون الإيمان؟ وهل هناك أفضلية بين البشر يخلق الله تعالى أقوام فيجعلهم مؤمنين ويدخلهم الجنة وآخرون يجعلهم كفارا ويدخلهم في النار؟ ... هل هناك بشر مفضلون على بشر؟ وهل الأعمال التي يعملها الكفار هي سبب دخولهم النار؟ الجواب أن الكفار في داخل أنفسهم أخبث تفكير وأخبث منهج، لذلك لن يعتبرهم الله بشر يستحقون الجنة حتى يغيروا ما بأنفسهم من خبث ونجاسة، فمناط دخول الجنة التفكير والفكرة التي في داخل النفس، فالجميع بشر ولكن ليس الجميع يستحق الجنة بسبب أفكارهم التي أنتجت أعمالهم السيئة.

يَومٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ

﴿استَجيبوا لِرَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُم مِن مَلجَإٍ يَومَئِذٍ وَما لَكُم مِن نَكيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧]

الزمن إتجاه واحد والرجوع إلى الماضي غير ممكن وهو من أوهام كتاب الخيال العلمي فالآية واضحة والله رحيم فَلَو كان الرجوع بالزمن ممكنا لأعادهم إلى الدنيا.

المعاني لها أجنحة ولها رفيف

﴿وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤]
﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

لا يوجد مجاز في القرآن الكريم والمعاني لها أجنحة ولها رفيف ولها أيدي وأرجل وفيها حياة، فالذل له جناح والمصائب لها رفيف وقراءة القرآن رجل جميل والعمل السيء رجل قبيح والجدار له إرادة فلا يوجد مجاز لا في القرآن ولا في اللغة كما قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.

لسلامة قلبك

لسلامة قلبك لا تسمع لأعداء الله ولا تسلم لهم قلبك، فهم أعداء وكلامهم ظنون وتخمينات بعكس ما جاء به دينك وكتابك فهي حقائق مفحمة "﴿وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلّا يَخرُصونَ﴾ [الأنعام: ١١٦]". ومعسول كلامهم ليس من السهل دائما الرد عليه من كل أحد ولا يستطيعه إلا العلماء الملهمون فإن لم تكن منهم فتجنبهم لكي لا ترتد عن دينك فتمت وأنت كافر وهل أنت أكثر يقينا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه "حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة غضب وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي".

إحذر حياء الناس

ألا لا تظلموا ألا لا يحلُّ مالُ امرئٍ إلَّا بطيبِ نفسٍ منه
الراوي : أنس بن مالك.
المحدث : ابن حجر العسقلاني.
المصدر : تخريج مشكاة المصابيح.
الصفحة أو الرقم: 3/193.
خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة].

إحذر حياء الناس من أن يطلبوا حقهم منك، فهذا لا يُعفيك وستحاسب عليه يوم القيامة، وعدم طلب حقهم منك قد لا يكون تنازلا منهم عن حقهم، فاسألهم قبل كل شيء إن كانوا قد عفوا عنك، فإن لم تسألهم ولم يعفو عنك فستحاسب على حقهم يوم القيامة، ولا تحرجهم في طلب العفو فقد يجعلهم الحياء يعفو عنك فلا يحل مال إمرئ إلا بطيب نفس منه كما في الحديث، فاتق الله.

عَلى مَكانَتِهِم

﴿وَلَو نَشاءُ لَمَسَخناهُم عَلى مَكانَتِهِم فَمَا استَطاعوا مُضِيًّا وَلا يَرجِعونَ﴾ [يس: ٦٧]
﴿أَوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِقادِرٍ عَلى أَن يَخلُقَ مِثلَهُم بَلى وَهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ﴾ [يس: ٨١]

يعاد خلق الإنسان على مكانته في الدنيا بحسنه وطيبته أو خبثه ونجاسته تماما كما كان في الدنيا، والجنة لا يدخلها إلا كل حسن طيب، فلا يستحق دخولها الأخباث والأنجاس، فلا يلجونها ولا تقبلهم، فمكانهم على مثل نجاستهم في النار، فهي ما يناسبهم، فاعرض نفسك على نفسك أين تجدها؟ حسنة طيبة أم خبيثة نجسة لتعلم مكانك، فإن لم تجدها حسنة طيبة، فاغسلها بالطاعات وقراءة القرآن والبعد عما ينجسها لتكون مناسبا لدخول الجنة بإذن الله. والحمد لله رب العالمين.

لفهم أعمق لآي القرآن

التوسع في المعنى: ويكون ذلك بأخذ معنى الآية التي تتحدث عن شيء معين ثم قول: ومثله كذا وكذا "﴿وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]"، فليس المقصود بالأمثال في الآية الأمثال المحدودة جدا المذكورة في القرآن ولكن الآيات التي يمكن التوسع في معناها وهي كثيرة جدا في كتاب الله العزيز مثل "﴿وَإِذا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيّوا بِأَحسَنَ مِنها أَو رُدّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبًا﴾ [النساء: ٨٦]" يمكن أن تنسحب على كل عطية، وكذلك من مصادر التوسع في المعنى القصص القرآني فحين يقص القرآن قصة يمكن أخذ الأمثال عليها فبذلك يحدث التوسع، كقصة سيدنا يوسف وقصة سيدنا موسى عليهما السلام ... إلى آخره، كما في الآيات التالية:

﴿أَلَم تَرَ أَنَّ الفُلكَ تَجري فِي البَحرِ بِنِعمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِن آياتِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ ۝ وَإِذا غَشِيَهُم مَوجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ فَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَما يَجحَدُ بِآياتِنا إِلّا كُلُّ خَتّارٍ كَفورٍ﴾ [لقمان: ٣١-٣٢]

مِثْل الفلك التي تمخر عباب البحر، هذا ابن آدم يمخر عباب الحياة ليرى من آيات الله تعالى طيلة حياته، فهو يحتاج للصبر على بلوائها، والشكر على ما فيها من نعم. والحياة كالبحر تسير رتيبة طيبة يظنها ابن آدم تدوم على ذلك، فإذا بها تموج وتغشى الناس بموجها العاتي ما يجعل الحليم حيران، ولا يجد ابن آدم إلا اللجوء إلى ذي الجبروت ليُسكِّن موج الحياة العاتي برحمته، فإذا فعل وعادت الحياة رتيبة طيبة نسي ابن آدم ما حل به من قريب ونسي فضل الله عليه أن سكَّن موج الحياة العاتي وعاد يكفر ويخاتل غدرا بدل الشكر كأن لم يكن شيء، وفي الفلك والبحر ومثلها ابن آدم والحياة آيات للتدبر لذي فكر، فسبحان الله العظيم.

الحياة الطيبة

﴿ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذينَ صَبَروا أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ۝ مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [النحل: ٩٦-٩٧]

إذا كنت مؤمنا تعمل الصالحات فقد تكفل الله تعالى لك في الدنيا بالحياة الطيبة، وإن تأخر حصول ذلك، فالمطلوب منك هو الصبر، فسيحصل ذلك سيحصل لا محالة، وهذا غير أجر الآخرة، فلا تقلق فهذا وعد رباني.

قيام الليل

﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقومُ أَدنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَنِصفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَن لَن تُحصوهُ فَتابَ عَلَيكُم فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنكُم مَرضى وَآخَرونَ يَضرِبونَ فِي الأَرضِ يَبتَغونَ مِن فَضلِ اللَّهِ وَآخَرونَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠]

كم هو عظيم قيام الليل، ولكن يجزئ عنه قراءة القرآن، فإذا كنت تكسل عن قيام الليل أو تستثقله فيكفيك بدلا عنه قراءة القرآن فأجره كقيام الليل فما أعظمها من جزية وما أعظمه من بدل، واليسير من القيام يجزئ عنه اليسير من قراءة القرآن والكثير يجزئ عنه الكثير. وفي الآية أيضا أن العمل لكسب الرزق مقدم على النوافل التي من أعظمها قيام الليل، ولكن لا تنقطع عن النوافل، فيخفف عن المترزق في العبادة إلى أيسرها وهو قراءة القرآن، والحمد لله رب العالمين.

الاثنين، 4 نوفمبر 2019

أَسلَمتُ مَعَ سُلَيمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ

﴿فَلَمّا جاءَت قيلَ أَهكَذا عَرشُكِ قالَت كَأَنَّهُ هُوَ وَأوتينَا العِلمَ مِن قَبلِها وَكُنّا مُسلِمينَ ۝ وَصَدَّها ما كانَت تَعبُدُ مِن دونِ اللَّهِ إِنَّها كانَت مِن قَومٍ كافِرينَ ۝ قيلَ لَهَا ادخُلِي الصَّرحَ فَلَمّا رَأَتهُ حَسِبَتهُ لُجَّةً وَكَشَفَت عَن ساقَيها قالَ إِنَّهُ صَرحٌ مُمَرَّدٌ مِن قَواريرَ قالَت رَبِّ إِنّي ظَلَمتُ نَفسي وَأَسلَمتُ مَعَ سُلَيمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [النمل: ٤٢-٤٤]

دخلت مكانا غريبا عجيبا إذا بها ترى عرشها في طريقها وهي تسير في المكان، عرشها الذي يبعد عن هاهنا مسافة بعيدة، فما الذي أتى به؟ ثم تسير فإذا بها تمر بماء يجري فترفع ثيابها لتمر به فإذا به يجري تحت زجاج شفاف غاية الشفافية ... ما هذا المكان العجيب؟ أين أنا؟ ما هذا الملِك وما ملكه؟ لقد ذهلت عن نفسها وأقرت بأن هذا الرجل ليس رجلا عاديا بل هو نبي مرسل تدعمه السماء وليس ساحرا أو عابثا، فهتفت "رَبِّ إِنّي ظَلَمتُ نَفسي وَأَسلَمتُ مَعَ سُلَيمانَ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ".

حتى ييأس العبد

لماذا تتأخر إجابة الدعاء حتى ييأس العبد؟ الجواب لنفس السبب الذي ينتظر المؤمنون لأجله دخول الجنة خمسين ألف سنة ... ألا ترى أنها سعادة ما بعدها سعادة أن تحصل على مرادك بعد تشوق ورغبة شديدة ... متعة الجنة تكون أشد ما تكون بعد حرمان شديد، وهكذا الدعاء، متعة إجابته تعظم كلما ازداد الإنتظار، وهذه إحدى حكم تأخر إجابة الدعاء حتى ييأس العبد، والحمد لله رب العالمين.

لماذا تريد قتل نفسك؟

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ إِلّا أَن تَكونَ تِجارَةً عَن تَراضٍ مِنكُم وَلا تَقتُلوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُم رَحيمًا﴾ [النساء: ٢٩]

لماذا تريد قتل نفسك؟ للفقر؟ للحزن؟ للخوف؟ للمرض؟ للقدر؟ الله رحيم بك وكل هذا الذي أصابك سيفرجه عنك ولا تجد بعده إلا ما يسرك ويرضيك، فاصبر ولا تتعجل بقتل نفسك، فسيأتيك الفرج لا محالة، لأن الله تعالى أرحم بك من نفسك، فهو أرحم الراحمين.

تضمن به الجنة

﴿وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ ۝ وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ ۝ فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالوا جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَذلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ﴾ [المائدة: ٨٣-٨٥]

عمل واحد تعمله يلهمك الله تعالى فعله تضمن به الجنة مهما فعلت بعده ومهما عشت بعده ... إقرأ الآيات أعلاه ... قول طيب قالوه أرضى الله تعالى عنهم رضا لا سخط بعده أدخلهم به الجنة ... يصيبك الله تعالى بمصيبة فتصبر وتحتسب فيرضى الله تعالى عنك رضا لا سخط بعده مهما فعلت، أو فعل طيب تغفل عن عظمته عند الله تعالى يغفر لك به كل ذنب بعده، حتى لو تسخطت بعده أو اقترفت ذنوبا ... إنتهى ... لقد رضي الله تعالى عنك ... فإن أتتك مصيبة فاصبر واحتسب فقد تكون تلك المصيبة جنتك ورضا الله تعالى عنك الذي لا سخط بعده، وافعل الخير لعل الله تعالى يغفر لك به مغفرة ما بعدها غضب، والحمد لله رب العالمين.

الله تعالى لا يستقصد الناس

﴿ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِي النّاسِ لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ﴾ [الروم: ٤١]
﴿وَما أَصابَكُم مِن مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَت أَيديكُم وَيَعفو عَن كَثيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]
﴿كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهينَةٌ﴾ [المدثر: ٣٨]

ليس معنى ما كسبت أيديكم أي الذنب أو العمل ألذي يغضب الرب ولكن أي عمل خاطئ فالأخطاء البشرية هي التي تسبب المشاكل لدى الناس، فالله تعالى لا يستقصد الناس بالشر ولا يسلط بعضهم على بعض هكذا، ولكن الناس هم من يوقعون أنفسهم في المصائب بأخطائهم وهذا ما نسميه القدر، وقد تركهم الله تعالى ليفعلوا ما يشاءون دون تدخل منه لأنه استخلفهم في الأرض وتركها لهم، ولو تولاهم بنفسه لكانت حياتهم جميعا طيبة وسلسة بدون أي مشاكل على الإطلاق، فلا يصح أن يقال أن الله تعالى سلط على أحدٍ أحدٌ، إلا بذنب أو فساد، ويكون ذلك لحكمة خاصة وليس أمرا عاما "﴿إِلَّا الَّذينَ يَصِلونَ إِلى قَومٍ بَينَكُم وَبَينَهُم ميثاقٌ أَو جاءوكُم حَصِرَت صُدورُهُم أَن يُقاتِلوكُم أَو يُقاتِلوا قَومَهُم وَلَو شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُم عَلَيكُم فَلَقاتَلوكُم فَإِنِ اعتَزَلوكُم فَلَم يُقاتِلوكُم وَأَلقَوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُم عَلَيهِم سَبيلًا﴾ [النساء: ٩٠]" و "﴿وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ مِنهُم فَما أَوجَفتُم عَلَيهِ مِن خَيلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [الحشر: ٦]"، فلا نقول أن الله تعالى سلط الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا على المساكين الذين يعملون في البحر، وإلا فلم بعث لهم العبد الصالح ليخرق سفينتهم لينقذهم من جور الملك الظالم، ولكن كان ذلك قدرا عاما يصيب الجميع، ومثله الغلام الذي قتله العبد الصالح، فكانت ولادته لأبويه المؤمنين قدرا وليس تسلطا على أبويه، فكان لا بد أن يولد لهما وهذا قدرهما وليس تسلطا من الله تعالى، فقتله الله تعالى، ومثله الغلامين اليتيمين الذين كان أبوهما صالحا، فلم يكن تسلط أهل قريتهما عليهما تسلطا من الله تعالى عليهما، ولكن قدرا إجباريا عاما، فكان أن أنقذ لهما كنزهما من بين يدي أهل هذه القرية الظالمين.

وَلَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعينَ

﴿قالَ رَبِّ بِما أَغوَيتَني لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم فِي الأَرضِ وَلَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعينَ﴾ [الحجر: ٣٩]

هذه الأخلاق موجودة عنده قبل أن يطرده الله تعالى من رحمته وربما كان يتحرق ليبرزها ويستخدمها ضد أعدائه وهاهو الآن يجد لها المتنفس مع العدو الذي ظهر له الآن: آدم عليه السلام، وبما أن الله تعالى يعلم خُلُق هذا الخبيث ومدى خبثه فكان لا بد من كشفه أمام نفسه وأمام الملائكة الكرام وأمام آدم عليه السلام وذريته فالله تعالى لم يظلمه إذ طرده من رحمته فهو يعلم خُلُقه وخبثه وهو فقط أظهرها وفجرها أمامه وأمام خلقه ليعلم الجميع مدى قبح سريرته وخبثه وأنه لم يظلمه إذ طرده من رحمته وأنه مستحق لذلك، نعوذ بالله تعالى من الخذلان.

بَلِ ادّارَكَ

﴿بَلِ ادّارَكَ عِلمُهُم فِي الآخِرَةِ بَل هُم في شَكٍّ مِنها بَل هُم مِنها عَمونَ﴾ [النمل: ٦٦]

بل ادارك أي أدرك علمهم بعضه بعضا فظهر تناقضه ومعارضته لبعضه البعض في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون فعلمهم جلب لهم الشك فيها والعمى عنها ولم يفدهم بشيء لتناقضه، وقوله سبحانه عن العلم أنه يدرك بعضه بعضا ليبين أن العلم عبارة عن أفكار منفصلة يمكن أن يدرك بعضها بعضا وليس شيئا جمَّا متماسكا لا يمكن عزل بعضه عن بعض، وظهور تناقض علمهم يدل على أن العلم قد يكون خاطئا فليس كل علم صائب، لأنه تعالى وصف علمهم بالعلم وذكر تناقضه ليدل على أن ليس كل علم صائب فقد تعلم شيئا تقتنع به وهو ليس صائبا بدليل قوله تعالى "﴿وَإِذا عَلِمَ مِن آياتِنا شَيئًا اتَّخَذَها هُزُوًا أُولئِكَ لَهُم عَذابٌ مُهينٌ﴾ [الجاثية: ٩]" فعلمه هنا وصفه تعالى بالعلم مع أنه غير صائب ولا سديد، فسبحان الله العظيم.

كلام مشفق

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تُطيعوا فَريقًا مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ يَرُدّوكُم بَعدَ إيمانِكُم كافِرينَ ۝ وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آياتُ اللَّهِ وَفيكُم رَسولُهُ وَمَن يَعتَصِم بِاللَّهِ فَقَد هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ۝ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ ۝ وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوا وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوانًا وَكُنتُم عَلى شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِنها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ ۝ وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ ۝ وَلا تَكونوا كَالَّذينَ تَفَرَّقوا وَاختَلَفوا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ ۝ يَومَ تَبيَضُّ وُجوهٌ وَتَسوَدُّ وُجوهٌ فَأَمَّا الَّذينَ اسوَدَّت وُجوهُهُم أَكَفَرتُم بَعدَ إيمانِكُم فَذوقُوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكفُرونَ ۝ وَأَمَّا الَّذينَ ابيَضَّت وُجوهُهُم فَفي رَحمَةِ اللَّهِ هُم فيها خالِدونَ ۝ تِلكَ آياتُ اللَّهِ نَتلوها عَلَيكَ بِالحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُريدُ ظُلمًا لِلعالَمينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠-١٠٨]

كلام مشفق، والقرآن كله كلام مشفق، فسبحان الله العظيم.

هلا اطمأننت

الطفل الصغير لا يملك مالا ولا جاها ولا يملك من حطام الدنيا إلا ما وهبه له أبواه ومع ذلك لا يحمل هم شيء وقد حمل همه أبواه فهو مطمئن النفس أسلم نفسه لأبويه فربياه وكبراه وحمياه وعلماه ودبرا له أموره جميعها فما لنا لا نسلم أنفسنا لله وتطمئن قلوبنا بأنه سيدبر أمورنا كما يفعل الأب مع طفله وقد تكفل بذلك سبحانه ... فهلا اطمأننت؟

فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ

﴿وَعَلَّمناهُ صَنعَةَ لَبوسٍ لَكُم لِتُحصِنَكُم مِن بَأسِكُم فَهَل أَنتُم شاكِرونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠]
﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾ [لقمان: ١٢]
﴿إِنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أَن يوقِعَ بَينَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ﴾ [المائدة: ٩١]

لمن يقول أن قوله تعالى في شأن الخمر "فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ" مخير بين أن ينتهي أو لا ينتهي نقول له قوله تعالى "فَهَل أَنتُم شاكِرونَ" أي لا بد أن تشكروا، فهل هنا لتأكيد خيار الشكر، فإما أن تشكروا وإما أن تكفروا، فلا بد أن يشكروا وإلا سيكفروا وليس هناك خيار ثالث لقوله تعالى "وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ"، فمعنى هل أنتم منتهون أي لا بد أن تنتهوا، فهل هنا ليس للتخيير بل لتأكيد خيار الإنتهاء، مثل قوله تعالى "﴿قُل إِنَّما يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَهَل أَنتُم مُسلِمونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٨]"، فهل هنا لتأكيد خيار الإسلام، وإلا فهم كافرون، والحمد لله رب العالمين.

الأَرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ

﴿وَلَقَد كَتَبنا فِي الزَّبورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ ۝ إِنَّ في هذا لَبَلاغًا لِقَومٍ عابِدينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥-١٠٦]
كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقالَ عبدُ اللهِ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا علَى شِرَارِ الخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِن أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَدْعُونَ اللَّهَ بشيءٍ إلَّا رَدَّهُ عليهم.فَبيْنَما هُمْ علَى ذلكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ، فَقالَ له مَسْلَمَةُ: يا عُقْبَةُ، اسْمَعْ ما يقولُ عبدُ اللهِ، فَقالَ عُقْبَةُ: هو أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِن أُمَّتي يُقَاتِلُونَ علَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَالَفَهُمْ، حتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ علَى ذلكَ.فَقالَ عبدُ اللهِ: أَجَلْ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ المِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الحَرِيرِ، فلا تَتْرُكُ نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإيمَانِ إلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عليهم تَقُومُ السَّاعَةُ.
الراوي : عبدالرحمن بن شماسة المهري.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 1924.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

ما دام على الأرض عباد صالحون فحتما ولا بد أن يرثوا الأرض ويحكموها ويصلحوها فليطمئن كل مؤمن وليصبر فهذا قانون رباني ولكن لو فرغت الأرض من العباد الصالحين كما سيكون في آخر الزمان فسيتركها لشرار الناس لتقوم عليهم الساعة كما في الحديث أعلاه.

نسرق ونستعبد

﴿أَفَلَم يَسيروا فِي الأَرضِ فَتَكونَ لَهُم قُلوبٌ يَعقِلونَ بِها أَو آذانٌ يَسمَعونَ بِها فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ وَلكِن تَعمَى القُلوبُ الَّتي فِي الصُّدورِ﴾ [الحج: ٤٦]

نسرق ما تسمعه آذاننا، ونسرق ما تبصره أعيننا، بل ونستعبد آذاننا ونوجهها إلى ما نريد سماعه، ونستعبد أعيننا فنوجهها إلى ما نريد أن نبصره، وكذلك نستعبد أيدينا وأرجلنا وجلدنا ... إلخ، وذلك بتوجيه هؤلاء العبيد بالقلب والمخ، فالقلب يريد، فيفعل المخ ما يريده القلب، وهو ما نريده نحن، فالقلب هو نحن، وإرادتنا كامنة فيه، وهو ينطق بها، فسبحان الله العظيم.

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

الإنسان ليس نفس بل أنفس

الإنسان ليس نفس بل أنفس فالعين نفس والأنف نفس والمعدة نفس وهذه الأنفس ككل يطلق عليها نفس الإنسان قال تعالى "﴿يُطافُ عَلَيهِم بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوابٍ وَفيها ما تَشتَهيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فيها خالِدونَ﴾ [الزخرف: ٧١]" - أنفس الناس وأعين الناس - تشتهيه الأنفس: نفس العين ونفس الأذن ونفس البطن ونفس الفرج ... وتلذ الأعين فَلَو لم تكن للعين نفس فكيف تلَذّ بذاتها، لأنه لم يقل تلذ النفس بالرؤية ولكن قال تلذ العين بذاتها فهي بذلك مدركة، فكيف تلذ وهي غير مدركة لما تراه ... حين تنظر إلى شيء، أنت تنظر إليه بنفسك، وعينك تنظر إليه بنفسها، وأنت تدرك الشيء، وهي تدركه، وقد تتصرف من دون أمرك تلقائيا، فتنظر إلى شيء آخر بنفسها لإدراكها الخاص بها دون إدراكك وقد تستغرب فتقول مالذي دفعني إلى أن أنظر إلى هذا الشيء الآخر ولكن الموضوع أن عينك هي التي أرادت النظر دون إرادتك، فهي نفس أخرى وإرادة أخرى ولها فعلها الباطن تفعله دون إرادتك وإدراكها الباطن دون إدراكك مثلها مثل العقل الباطن فلها عقلها الخاص، وكذلك كل أعضاء الجسد لها فعلها الباطن الذي تفعله دون إرادتك وإدراكها الباطن دون إدراكك مثلها مثل العقل الباطن فلها عقلها الخاص بها مثل العين ... فكما أن للجسد أعضاء كذلك للنفس أعضاء تقابل أعضاء الجسد فللعين نفس وللأذن نفس ولليد نفس، أي العين عضو ونفس والأذن عضو ونفس وهكذا، وكما أن لكل شيء في هذا الكون زمنه الخاص به حسب نظرية النسبية - فاليد اليمني لها زمنها الخاص واليد اليسرى كذلك ومكونات كل يد لها زمنها الخاص والرأس والرجل كذلك -، فيمكن القول أن لكل شيء في هذا الكون نفسه الخاصة به حتى الذرة والإلكترون وحتى النهار فنفسه مبصرة "﴿اللَّهُ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ لِتَسكُنوا فيهِ وَالنَّهارَ مُبصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذو فَضلٍ عَلَى النّاسِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَشكُرونَ﴾ [غافر: ٦١]"، فما هو النهار؟ إن جسم النهار كائنات دقيقة إسمها الفوتونات وهي أنفس صغيرة تكون نفس النهار كما تكون الذرات جسم الإنسان، النهار مبصر، إذن هو مدرك وكذلك جسمه مدرك أي أن الفوتونات مدركة وهذا لأن كل نفس مدركة، كالكائنات الدقيقة والذرات والإلكترونات والفوتونات، إذن فالنهار نفس مبصرة تبصر فترى ما تتغلغل فيه ويساعد العين لتبصر هي الأخرى، فالعين تستعين بنفس النهار لتبصر، أما ما هو الإبصار فقد قال فيه تعالى "﴿لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ۝ قَد جاءَكُم بَصائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيها وَما أَنا عَلَيكُم بِحَفيظٍ﴾ [الأنعام: ١٠٣-١٠٤]"، فالإبصار أخذ الشاهد على حدث أو شيء معين بالعين بجلاء، والبصائر شواهد على حدث أو شيء معين، والبصيرة أخذ الشاهد على حدث أو شيء معين بالفكر الثاقب بدون عين ... هذه الآيات تثبت أن كل شيء في هذا الكون مدرك حتى الفوتون فهو يتكون من عشرة أوتار مهتزة هذه الأوتار تهتز كل على شاكلته فربما كانت هذه الأوتار وتر للخوف ووتر للحب ووتر للغضب ووتر للحزن ... إلخ، ففي تجربة الشق المزدوج تسير أمورها سلسة كالمعتاد فتظهر الفوتونات حتى لو أطلقوها فوتون فوتون على شاشة العرض على شكل موجة ولكن حين يضعون لها جهاز مراقبة - وهي تطلق فوتون فوتون - تنضبط وتظهر على شاشة العرض كعمودين، أمام كل شق عمود أي أن الفوتونات قد انضبطت، وهذا غير منطقي بتاتا حين نعتقد أن الفوتونات صماء بكماء عمياء تخضع للقوانين الفيزيائية البحتة، ولكن الحقيقة أنها أنفس لها إرادة كما لي ولَك، وأنا أزعم أن لكل شيء في هذا الكون له إرادة حتى الجمادات والفوتونات "﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]". هذه الأنفس كما للإنسان نفس تموت، فهي تموت ... وهذا يعني أن الكون يفنى من داخله وقد ينفجر مستقبلا ولكن بعد بعض الوقت سيفنى بنفسه بفناء ذراته والكتروناته وفوتوناته، فأنا أعتقد بإمكانية فناء المادة ليس كما يزعم العلم: المادة لا تفنى ولا تستحدث ولا تخلق من عدم، وقد خلق الله تعالى الكون من عدم واستحدث المادة، فلم لا تفنى؟ ... قال تعالى "﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]"، فسبحان الله العظيم.

إجبار النفس على الطاعة

قد تجبر نفسك على الطاعة، فيفتح الله عليك فتوحا لم يفتحها عليك في حال رضاك بالطاعة فتحمد الله عليها، والحمد لله رب العالمين.

وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ

﴿وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ فِي المُلكِ وَلَم يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرهُ تَكبيرًا﴾ [الإسراء: ١١١]

صاحب المحامد والمكارم، ومن محامده أنه لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل، فهو أكبر من ذلك كثيرا.

إعرض نفسك على هذه الآية

﴿قالَ لَم أَكُن لِأَسجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقتَهُ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ﴾ [الحجر: ٣٣]

إعرض نفسك على هذه الآية، هل يذهب بك العناد إلى حد ارتكاب المعاصي أو الكبائر.

مسوخ بشرية

﴿وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾ [الأعراف: ١٧٦]
﴿وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩]

مثل الكلب ومثل الأنعام مسوخ بشرية، تراهم بشر فتحسبهم كذلك ولكنهم مسوخ، نعوذ بالله تعالى من الخذلان.

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها

﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها أُولئِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ هُم فيها خالِدونَ﴾ [الأعراف: ٤٢]
﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها لَها ما كَسَبَت وَعَلَيها مَا اكتَسَبَت رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إِن نَسينا أَو أَخطَأنا رَبَّنا وَلا تَحمِل عَلَينا إِصرًا كَما حَمَلتَهُ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعفُ عَنّا وَاغفِر لَنا وَارحَمنا أَنتَ مَولانا فَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦]

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فما بعد الوسع فلا إثم عليك فيه، فهو خارج عن قدرتك، فلا بأس عليك في كل ما تفعل حتى لو جزعت أو تسخطت على الله أو لطمت الخدود، فالخارج عن قدرتك إصر ولا طاقة لك به، ولكن إذا عدت لرشدك فاستغفر الله واتل آية البقرة أعلاه بحضور قلب، وقد قال عليه السلام "لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ. الراوي : عائشة أم المؤمنين. المحدث : السيوطي. المصدر : الجامع الصغير. الصفحة أو الرقم: 9886. خلاصة حكم المحدث : صحيح." ففي الإغلاق لا يؤاخذ المؤمن بشيء، والله تعالى أعلم.

أَستَجِب لَكُم

﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادعوني أَستَجِب لَكُم إِنَّ الَّذينَ يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتي سَيَدخُلونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ﴾ [غافر: ٦٠]
﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِد لَهُ مِن دونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصيرًا﴾ [النساء: ١٢٣]

أستجب لكم أي استجلب الإجابة لكم، فهي ليست فورية بل ستأخذ الكثير من الوقت حتى يهيئ الله تعالى الظروف المناسبة للإجابة، هذا في حالة الدعاء، أما في حالة من يعمل سوءا فالعقاب سريع، لأنه أتبع عمل السوء بقوله يجز به، فتحس بسرعة الجزاء فلم يقل يستجز به أو حتى سيجزى به بل قال يجز به، وهذا مُلاحظ، لكن لماذا إجابة الدعاء بطيئة وعقاب عمل السوء سريع؟ مبدأ الثواب والعقاب مبدأ كوني يسير عليه كل خلق الله تعالى، مثلا الدول، فلا بد من معاقبة المسيء ومكافأة المحسن لتستقيم أمور الناس، وهذا المبدأ يعمل به الله تعالى مع عباده لتستقيم أمورهم فلا يسدرون في غيهم وضلالهم، وليس انتقام رباني لنفسه سبحانه، ولكن ليصلح أمر الخلق، والعقاب لا يؤجل فمتى تمكن الحاكم من الظالم أخذه بظلمه، ولكن من يدرك خطأه ويستغفر الله تعالى يخفف الله تعالى عنه العقوبة وقد يرفعها عنه "﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ١١٠]". أما إجابة الدعاء فقد يحتاج الأمر إلى تبديل حال الناس بوجه عام ليجاب طلبك وهذا قد يأخذ الكثير من الوقت فإجابة طلبك قد لا تكون حاضرة فتحتاج الإنتظار ... وبالمقابل من يعمل خيرا يجز به لذلك قال عليه السلام "داوُوا مرضاكم بالصدقةِ. الراوي : الحسن البصري. المحدث : الألباني. المصدر : صحيح الترغيب. الصفحة أو الرقم: 744. خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره." وقال تعالى "﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَلَيها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ﴾ [فصلت: ٤٦]" وهذا هو العدل. فسبحان الله العظيم.

وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ

﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَولِها وَقالَ رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ ۝ وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الهُدهُدَ أَم كانَ مِنَ الغائِبينَ﴾ [النمل: ١٩-٢٠]

وأنت، تَفَقَّد الذاهبين بعيدا عن الله الغائبين عن حضرته بهذا الدعاء الكريم يدعون به لأنفسهم لعظمة منفعته لهم "رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ".

الله هو الذي يبتلي ويعذب

﴿أَينَما تَكونوا يُدرِككُمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم في بُروجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِكَ قُل كُلٌّ مِن عِندِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ القَومِ لا يَكادونَ يَفقَهونَ حَديثًا ۝ ما أَصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ وَأَرسَلناكَ لِلنّاسِ رَسولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهيدًا﴾ [النساء: ٧٨-٧٩]

الله هو الذي يبتلي ويعذب وكل شيء فعله هو، فإن ابتلاك أحد فالله سلطه عليك، وإن مرضت فمن الله، وإن أصابك أذى فمن الله، لكن كل ذلك بذنوبك، وقد تظن أن الإبتلاء بدون ذنب، وهذا خطأ فكل ابتلاء بذنب، علمته أو جهلته، فأنت في بيئتك لا تفعل شيء إلا بإرادتك، وإن كلفت أحدا بشيء فيكون بإرادتك، والله تعالى في كونه يفعل كل شيء بإرادته، ولا يحدث شيء إلا هو يريده، فكل ما يصيبك إعلم أن الله تعالى أراده لك بذنب فعلته أو بإحسان فعلته. وربما تأخُر استجابة الدعاء وضيقك بذلك يكون بسبب ذنوبك، لأن الأنبياء كان يستجاب لهم فورا بسبب انعدام ذنوبهم.

كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ

﴿كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ ثُمَّ إِلَينا تُرجَعونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧]

آية سريعة لا تَوقُف عندها كأنها لحظة عابرة.

وَاللَّهُ يَعلَمُ مُتَقَلَّبَكُم وَمَثواكُم

﴿فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ وَاللَّهُ يَعلَمُ مُتَقَلَّبَكُم وَمَثواكُم﴾ [محمد: ١٩]

فاعلم أنه لا يوجد صغيرة ولا كبيرة في هذا الكون إلا وتمر عليه سبحانه فيقضي فيها بأمره، فأحسن علاقتك به فكل أمرك بين يديه، ولا شاردة ولا واردة من أمرك إلا وتمر عليه سبحانه، فما شاء أمضى وما شاء منع.

ماذا رأى؟

﴿وَجاوَزنا بِبَني إِسرائيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتّى إِذا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ المُسلِمينَ﴾ [يونس: ٩٠]

ماذا رأى حتى جعله يتنازل عن كبره وكبريائه وتعاظمه وهو في أوج جبروته يطارد أعداءه الذين بعد لحظات سيدركهم ويبيدهم؟ ماذا رأى؟ لا بد أنه رأى أشياء مرعبة وعظيمة أذهلته عن كل شيء حتى عن نفسه، أدرك ما أدركه سحرته الذي رأوا ما يفوق تصور العقل البشري فأذهلهم ما رأوا عن أنفسهم فآمنوا إيماناً صادقا فورا، وهو الآن يرى ما يفوق تصور العقل البشري فأذهله ما رأى عن نفسه فآمن إيماناً صادقا فورا، لكن سحرته نفعهم إيمانهم، أما هو فلا، فسبحان الله العظيم.

غفور رحيم حتى بالكفار؟

﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثيرًا مِنَ النّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنّي وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦]

غفور رحيم حتى بالكفار الذين يعصون ابراهيم عليه السلام في عبادة الأصنام؟ كيف؟ أي يدبر الله أمر هدايتهم لاحقا ليس على يد إبراهيم ولكن ييسر لهم أمر الهداية من عنده هو سبحانه.

المكسب

إعلم أن الذنوب تُكفَّر من كيسك بأنواع المصائب المختلفة فبعض الذنوب تكفر بخسارة المال وبعضها يكفر بالمرض وبعضها يكفر بالإبتلاء في الذرية وبعضها يكفر بالهم أو المشاعر السلبية وبعضها يكفر بالفقد كفقدان السمع أو البصر، فلا تتسخط على الله عند خسارة ما تحب، فهو كفارة لذنوب أذنبتها، تأتي يوم القيامة تحمد الله أن كَفَّرت ذنوبك وأَذهَبت سيئاتك وأضافت إلى حسناتك فهذا مكسب وليس خسارة، والمؤمن البصير يعرف أن هذه الخسارة كانت بسبب ذلك الذنب فيصبر ويحتسب لأنه يعلم أن الخسارة في الدنيا مكسب في الآخرة، والحمد لله رب العالمين.

جاءَهُم نَصرُنا

﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ﴾ [يوسف: ١١٠]

يحب الله تعالى أن يصل اليأس بالعبد منتهاه ويفقد الأمل ليحس بقيمة ما يطلبه من الله تعالى وينبهر بكرم الله تعالى ويحمده من أعماق قلبه فالله تعالى يستحق ذلك من العبد أليس هو الله الأحد ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ذي الجلال والإكرام، وإلا فإن إعطاء الغالي رخيصا يُرخِصُه، والحمد لله رب العالمين.

كلام عاطفي

﴿فَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ ما هذا إِلّا بَشَرٌ مِثلُكُم يُريدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيكُم وَلَو شاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعنا بِهذا في آبائِنَا الأَوَّلينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤]

كلام عاطفي لا يسمن ولا يغني من جوع فهؤلاء عِلْيَةُ القوم لم يناقشوا ولم يريدوا أن يناقشو سيدنا نوح عليه السلام بقرع الحجة بالحجة ولكن قالوا هذا الكلام العاطفي لجذب التأييد من بسطاء قومهم، وهذا هو أسلوب من ليس لديه منطق في النقاش وهو عاجز ولكن لديه أغراض أخرى بعيدة عن الموضوع كالجاه والسلطان.

هل الهدي وإطعام المساكين والصيام وبال؟

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وَأَنتُم حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذَوا عَدلٍ مِنكُم هَديًا بالِغَ الكَعبَةِ أَو كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكينَ أَو عَدلُ ذلِكَ صِيامًا لِيَذوقَ وَبالَ أَمرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمّا سَلَفَ وَمَن عادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنهُ وَاللَّهُ عَزيزٌ ذُو انتِقامٍ﴾ [المائدة: ٩٥]

هل طاعة الله كالهدي وإطعام المساكين والصيام يمكن أن تكون عقوبة؟ هل الهدي وإطعام المساكين والصيام وبال؟ نعم لأنها تعب وبهدلة (هديا بالغ الكعبة)، وإطعام المساكين خسارة للمال (طعام مساكين)، والصيام إنهاك للبدن وجوع (صياما)، فسبحان الله العظيم.

أمراض القلوب

أمراض القلوب كأمراض الأبدان فهل رأيت مرضا يزول بلا علاج، ودواء يؤخذ فيصيب المرض فيقضي عليه، وكذلك محاولة الأطباء في علاج المرض لا يقضي على المرض عند أول طبيب بل على المريض أن يجرب أكثر من طبيب وأكثر من دواء حتى يأذن الله تعالى بشفاء المرض. وأمراض الأجساد قد تصيب أي إنسان لا تفرق بين من كان غذاؤه جيدا ومن كان غذاؤه غير جيد ولا تفرق بين قوي الجسم وضعيفه، فقد يصيب المرض أي إنسان، كذلك أمراض القلوب قد تصيب الجاهل وتصيب العالم وقد تصيب الغير متدين وتصيب المتدين فهو بلاء إذا نزل لا بد من علاجه كأي مرض وإلا استفحل وقتل صاحبه والعياذ بالله.

‏مشاعر الزوجة غالية

﴿تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ وَمَنِ ابتَغَيتَ مِمَّن عَزَلتَ فَلا جُناحَ عَلَيكَ ذلِكَ أَدنى أَن تَقَرَّ أَعيُنُهُنَّ وَلا يَحزَنَّ وَيَرضَينَ بِما آتَيتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما في قُلوبِكُم وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَليمًا﴾ [الأحزاب: ٥١]

‏تقر أعينهن، ‏ولا يحزن، ‏ويرضين ...
هذا ما يجب على الرجل الصالح في حق زوجته، فعليه توفير هذه الثلاث لها: أن يقر عينها فلا يرهبها ولا يقلقها ولا يخوفها بزوجة جديدة أو يهددها بالطلاق فلا تقر عينها. كذلك يبعد عنها جميع أسباب الحزن فالحزن يقتل المرأة. ويرضيها بمعاملتها معاملة حسنة فيهديها ويحذيها ويكرمها ... هذا ما يفعله الرجل الصالح مع زوجته‏. فسبحان الله العظيم.

العلم اللدني الرباني

أنظر إلى صاحب العلم اللدني الرباني الذي تعامل مع موسى كما يتعامل رب العباد صاحب العلم المطلق مع عباده فهو بداية أخبره أنه لن يستطيع معه صبرا فأفعاله ستكون غير مألوفة وكذلك الله تعالى. كذلك أمره أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرا وكذلك الله تعالى "﴿لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]". كذلك كان كلما اعترض عليه موسى ذكره بأنه أخبره أنه لن يستطيع معه صبرا كذلك الله تعالى مع عباده يذكرهم في كتابه دائما بالصبر، كذلك أفعاله قد تكون غريبة ومؤلمة في ظاهرها كذلك أفعال الله تعالى مع عباده، كذلك في النهاية نلاحظ أنها كلها كانت أفعالا خيِّرة كذلك الله تعالى أفعاله كلها خيِّرة.، كذلك عند نهاية المطاف اكتشف موسى بعد أن أخبره العبد الصالح أن أفعاله كانت لصالح الضعفاء بعد حين وهذا ما يفعله الله تعالى للضعفاء، فالعبد الضعيف لا بد أن ينصره الله تعالى خاصة المؤمنين وهذا لا يخطئ بعض الضعفاء الظالمين فالمساكين الذين كانوا يعملون في البحر لم يحدد سبحانه هل كانوا من المؤمنين أو غير ذلك، وإنما حدد ذلك لوالدي الغلام الذي قتله ولأبو الغلامين اليتيمين أصحاب الكنز، مع أنه لم يحدد صلاح اليتيمين فالدين سبب الخير والمستفيد من من هم من أصحاب الدين ليس مهم دينه كالغلامين اليتيمين فلم يُعلم تدينهما ولكن عُلم تدين أبوهما. والآيات تعلمنا أن نصبر ففرج الله تعالى آت لا محالة ولو بعد حين، والخير كله بيد الله تعالى وفعله لمصلحة العبد دائما ليس لضرره فهذا هو الله الكريم العليم، فالصبر الصبر. هذا الذي لديه نفحة من العلم المطلق أخذها من الذي لديه العلم المطلق سبحانه ليعلمنا سبحانه كيف أنه يتعامل مع عباده دائما لمصلحتهم حتى وإن جهلوا هم ذلك، خاصة حال ضعفهم، ويجعل الخسران لمن يريد الضرر بهم، فهذا الملك خسر السفينة، والغلام الذي سيكون ظالما خسر حياته، وأهل القرية أضلهم الله تعالى عن كنز اليتيمين، فالله تعالى خير كله. فسبحان الله العظيم.

أنواع العطاء

﴿وَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقولُ يا لَيتَني لَم أوتَ كِتابِيَه ۝ وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه ۝ يا لَيتَها كانَتِ القاضِيَةَ ۝ ما أَغنى عَنّي مالِيَه ۝ هَلَكَ عَنّي سُلطانِيَه ۝ خُذوهُ فَغُلّوهُ ۝ ثُمَّ الجَحيمَ صَلّوهُ ۝ ثُمَّ في سِلسِلَةٍ ذَرعُها سَبعونَ ذِراعًا فَاسلُكوهُ ۝ إِنَّهُ كانَ لا يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظيمِ ۝ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسكينِ﴾ [الحاقة: ٢٥-٣٤]

يعقِد الله تعالى على قلب العبد عُقَدا لا تنتهي طيلة حياته من أنواع العطاء في الدنيا كالمال والبنين والسلطان، فلا ينتبه إلا وهو أمام الله تعالى، فيرى بعينه ما عُقِد على قلبه، فإن عَمِل في هذه العقد خيرا نجا وإلا صار حاله كالمذكور في الآيات أعلاه، فسبحان الله العظيم.

كل الناس ظالمون

﴿وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم ما تَرَكَ عَلَيها مِن دابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ [النحل: ٦١]
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.
الراوي : زينب بنت جحش أم المؤمنين.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3346.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

كل الناس ظالمون بشكل أو بآخر دون استثناء، حتى الصالحون فيهم ظلم، هم كذلك بسبب جِبِلَّتِهم وما خلقوا عليه، فَلَو يؤاخذهم الله تعالى على ظلمهم لأهلكهم جميعا وأهلك أهل الأرض معهم بشؤمهم.

تخويف الشيطان

﴿الَّذينَ استَجابوا لِلَّهِ وَالرَّسولِ مِن بَعدِ ما أَصابَهُمُ القَرحُ لِلَّذينَ أَحسَنوا مِنهُم وَاتَّقَوا أَجرٌ عَظيمٌ ۝ الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ ۝ فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سوءٌ وَاتَّبَعوا رِضوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذو فَضلٍ عَظيمٍ ۝ إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيطانُ يُخَوِّفُ أَولِياءَهُ فَلا تَخافوهُم وَخافونِ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ [آل عمران: ١٧٢-١٧٥]

خوف أصله من تخويف الشيطان بالناس والفقر والمرض والشقاء، وخوف أصله من تخويف الله تعالى ... العبد بين هذين الخوفين اللذين لا ثالث لهما، فلا يوجد شيء إسمه الخوف من الناس بل الخوف الناتج عن تخويف الشيطان بالناس، ولا يوجد شيء إسمه الخوف من الفقر بل الخوف الناتج عن تخويف الشيطان بالفقر، وهكذا المرض، وهكذا كل خوف إلا الخوف من الله تعالى، فكله من الشيطان ... معنى هذا الكلام أن أي خوف غير الخوف من الله تعالى هو من تزيين وتوهيم الشيطان يمكن طرده من النفس بالتعوذ من الشيطان، وقول حسبنا الله ونعم الوكيل لدفع البلاء المتخوف منه. والحمد لله رب العالمين.

العذاب يبحث عن الكفر

﴿قُل أَرَأَيتُم إِن أَهلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَعِيَ أَو رَحِمَنا فَمَن يُجيرُ الكافِرينَ مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾ [الملك: ٢٨]

العذاب يبحث عن الكفر في قلب المرء ليصيبه فإن وجده عذب صاحبه حتى يذهب الكفر، وإلا فلا عذاب بدون كفر فالمؤمن الصادق لا يُعذَب وهو لا يعمل إلا الصالحات "﴿ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَليمًا﴾ [النساء: ١٤٧]"، والمعاصي من الكفر، فالعاصي حين يعصي الله يكفر بأوامره ونواهيه بسبب الشهوة "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، فسبحان الله العظيم.