الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

فَأتِ بِآيَةٍ

﴿ما أَنتَ إِلّا بَشَرٌ مِثلُنا فَأتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ﴾ [الشعراء: ١٥٤]

حين تَدَّعي شيئا عظيما أو غريبا أو تروي عن نفسك شيئا غريبا للناس فلن يصدقوك حتى تأتي بدليل على صدق كلامك، فأنت بشر يجوز منك الصدق ويجوز منك الكذب، خاصة إذا كان فيما ترويه إلزام للسامع بشيء وهذا من حق السامع وليس في ذلك عيب أو مأخذ، لذلك كانت الرسل عليهم السلام يُدَعَّمون بالمعجزات التي تؤكد صدقهم، فسبحان الله العظيم.

عذاب شديد

﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الهُدهُدَ أَم كانَ مِنَ الغائِبينَ ۝ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَديدًا أَو لَأَذبَحَنَّهُ أَو لَيَأتِيَنّي بِسُلطانٍ مُبينٍ﴾ [النمل: ٢٠-٢١]

قانون رباني، من يعصِ يعذب عذابا شديدا، فحين يعصيك أحدهم ستغضب وإذا غضبت فإن إحساسك أنك تريد أن تفتك به فلا يكفيك فيه رد عدوانه بمثله ولكن تريد أن تفتك به وتعذبه عذابا شديدا لكي يبرد قلبك، هكذا يكون جزاء العصيان: عذاب شديد.

قُل كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا

﴿وَقالوا أَإِذا كُنّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنّا لَمَبعوثونَ خَلقًا جَديدًا ۝ قُل كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا ۝ أَو خَلقًا مِمّا يَكبُرُ في صُدورِكُم فَسَيَقولونَ مَن يُعيدُنا قُلِ الَّذي فَطَرَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنغِضونَ إِلَيكَ رُءوسَهُم وَيَقولونَ مَتى هُوَ قُل عَسى أَن يَكونَ قَريبًا ۝ يَومَ يَدعوكُم فَتَستَجيبونَ بِحَمدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لَبِثتُم إِلّا قَليلًا﴾ [الإسراء: ٤٩-٥٢]

هل سيعيد الله تعالى يوم القيامة خلق كل شيء حتى الحجارة والحديد؟ الجواب:نعم.

وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ

﴿وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَما كانَ لِيَ عَلَيكُم مِن سُلطانٍ إِلّا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلوموني وَلوموا أَنفُسَكُم ما أَنا بِمُصرِخِكُم وَما أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أَشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢]

القرآن ليس فيه مجاز، وقوله لما قضي الأمر أي في الماضي فمتى كان ذلك؟ هل الزمن دوار حين ينتهي يبدأ من جديد؟، فأنا موجود الآن وسابقا في نفس الوقت فما أفعله الآن فعلته من قبل، وقد قال الشيطان ذلك من قبل وقد قضي الأمر من قبل وما نفعله الآن فعلناه سابقا، "خلقَ اللهُ الخلْقَ وقضى القضيةَ وأخذَ ميثاقَ النبيينَ وعرشُهُ على الماءِ فأخذَ أهلَ اليمينِ بيمينِهِ وأخَذَ أهلَ الشقاءِ بيدِهِ اليُسْرَى وكلْتَا يَدِيِ الرحمنِ يَمِينٌ فقال يا أهلَ اليمينِ قالوا لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ قَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ثُمَّ خَلَطَ بَيْنَهُمْ فقال قائِلٌ منهم رَبِّ لَمَ خَلطتَ بيننَا فقال لَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً من بَعْدِهِمْ فخلقَ اللهُ الخلقَ وقَضَى القضيةَ وأخذَ ميثاقَ النبيينَ وعرْشُهُ على الماءِ فأهلُ الجنةِ أهلُها وأهلُ النارِ أهلهُا فقال رجلٌ منَ القومِ فَفِيمَ العملُ يا رسولَ اللهِ فقال يعملُ كلُّ قومٍ لِمَا خُلِقُوا لَهُ أهلُ الجنةِ يعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ وأهلُ النارِ يعملُ بعملِ أهلِ النارِ فقال عمرُ بنُ الخطابِ يا رسولَ اللهِ أرأَيْتَ أعمالَنا هذِهِ أشيْءٌ نَبْتَدِعُهُ أوْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ منه قال اعملُوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له قال الآنَ نَجْتَهِدُ في العبادةِ
الراوي : أبو أمامة الباهلي.
المحدث : الهيثمي.
المصدر : مجمع الزوائد.
الصفحة أو الرقم: 7/192.
خلاصة حكم المحدث : فيه سالم بن سالم وهو ضعيف.
التخريج: أخرجه الطيالسي (1226)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (1/139)، والطبراني (8/288) (7943) مختصراً."

بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ

﴿وَقَولِهِم إِنّا قَتَلنَا المَسيحَ عيسَى ابنَ مَريَمَ رَسولَ اللَّهِ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ لَفي شَكٍّ مِنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلوهُ يَقينًا ۝ بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزًا حَكيمًا﴾ [النساء: ١٥٧-١٥٨]
﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِدريسَ إِنَّهُ كانَ صِدّيقًا نَبِيًّا ۝ وَرَفَعناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٦-٥٧]
"... وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ ... صحيح مسلم."

يرفعه الله تعالى إلى السماء بجسده ... أي شفافية يصل إليها العبد حتى يرفع بجسده إلى السماء وأي طهر وأي نقاء؟

رقة الأنثى

﴿قالَت يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في أَمري ما كُنتُ قاطِعَةً أَمرًا حَتّى تَشهَدونِ ۝ قالوا نَحنُ أُولو قُوَّةٍ وَأُولو بَأسٍ شَديدٍ وَالأَمرُ إِلَيكِ فَانظُري ماذا تَأمُرينَ ۝ قالَت إِنَّ المُلوكَ إِذا دَخَلوا قَريَةً أَفسَدوها وَجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفعَلونَ ۝ وَإِنّي مُرسِلَةٌ إِلَيهِم بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرجِعُ المُرسَلونَ ۝ فَلَمّا جاءَ سُلَيمانَ قالَ أَتُمِدّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيرٌ مِمّا آتاكُم بَل أَنتُم بِهَدِيَّتِكُم تَفرَحونَ﴾ [النمل: ٣٢-٣٦]

أنظر إلى رقة الأنثى ... وطنها ومُلكها مهدد بغزو خارجي قد يبيدها ومُلكها وشعبها، وهي لا تجد الحل إلا في التودد والتلطف والتحنن مع هذا العدو لعله يرجع عن غزو بلادها، ولا تجده في رد عدوانه بعدوان مثله وهي التي لديها جيش قوي يستطيع رد العدوان، فتختار التودد بإرسال هدية جميلة لهذا الغازي لعل قلبه يرِق، وانظر إلى حاشيتها من الملأ الذين حولها من الرجال، يقولون لها بإشارة منك سينطلق جيشنا ليبيد هذا المعتدي، ثم لا تجد كل ذلك مجديا فهي تريد التودد والتلطف والتحنن وهذا طبع الأنثى. فسبحان الله العظيم!

الإرادة

﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

الجماد يأخذ إرادته من إرادة من يملك أمره فالجدار أخذ إرادة الإنقضاض من رخاوة التراب، والسكين تأخذ إرادة القطع من اليد التي تمسك بها، مثل الطفل الذي يأخذ إرادته في فعل شيء من إرادة والده، والحصان الذي يأخذ إرادة السرعة من إرادة صاحبه الذي يستحثه على ذلك، فالإرادة تنتقل كما تنتقل الكهرباء في الأسلاك بغض النظر عن القدرة على إنفاذها ... وأنت حين تدعو الله تعالى تريد أن تؤثر على إرادته فيريد ما تريد فينفذه فتتحقق رغبتك ... هذا هو الدعاء، أما دعاء الأصنام فهي لن تريد ما تريد بدعائك لها لأنها لا تسمعك، وليس لديها القدرة على تنفيذه، فهي لا تملك تنفيذ ما تريد لو فرضا سمعتك، كالجدار الذي يريد أن ينقض ولكن لا يستطيع الإنقضاض "﴿إِن تَدعوهُم لا يَسمَعوا دُعاءَكُم وَلَو سَمِعوا مَا استَجابوا لَكُم وَيَومَ القِيامَةِ يَكفُرونَ بِشِركِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]". والآية تدل على أن الرغبة التي في الصدر التي تستحث شيئا ليحدث غير فعالة بتاتا، وإلا لذكر في الآية هذه الرغبة، ولكنه ذكر السمع فقط وهو ما يتفاعل مع النطق وليس الرغبة الصامتة في الصدر، لأن الداعي يكون صدره ممتلئ بالرغبة في التأثير على المدعو ولكن هذا لا يفيد، لأن الله تعالى نفسه أمر بالدعاء كشرط للإستجابة ولم يكتف بالرغبة الداخلية أو الحاجة الداخلية للعبد ليستجيب له، فأمر بالدعاء والتوجه إليه به، ولكن ليس السمع فقط هو الذي يؤثر بل كذلك النفخ كما كان يفعل سيدنا عيسى عليه السلام فكان ينفخ في الطين فيكون طيرا بإذن الله "﴿إِذ قالَ اللَّهُ يا عيسَى ابنَ مَريَمَ اذكُر نِعمَتي عَلَيكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُكَ بِروحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ فِي المَهدِ وَكَهلًا وَإِذ عَلَّمتُكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَالتَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَإِذ تَخلُقُ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بِإِذني فَتَنفُخُ فيها فَتَكونُ طَيرًا بِإِذني وَتُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ بِإِذني وَإِذ تُخرِجُ المَوتى بِإِذني وَإِذ كَفَفتُ بَني إِسرائيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِالبَيِّناتِ فَقالَ الَّذينَ كَفَروا مِنهُم إِن هذا إِلّا سِحرٌ مُبينٌ﴾ [المائدة: ١١٠]". فسبحان الله العظيم.

قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ

﴿فَأَكَلا مِنها فَبَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ۝ ثُمَّ اجتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيهِ وَهَدى﴾ [طه: ١٢١-١٢٢]

لقد بدأ كل منهما تعامله مع الآخر بما هو أهله، فقد بادر آدم ربه بالمعصية والغواية، وبادر الله تعالى آدم بالتوبة والهداية "﴿قُل كُلٌّ يَعمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُم أَعلَمُ بِمَن هُوَ أَهدى سَبيلًا﴾ [الإسراء: ٨٤]".

ممتلئ بِهَمٍّ ما

﴿وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنها وَنَسِيَ ما قَدَّمَت يَداهُ إِنّا جَعَلنا عَلى قُلوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهوهُ وَفي آذانِهِم وَقرًا وَإِن تَدعُهُم إِلَى الهُدى فَلَن يَهتَدوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٥٧]

إن كل آية في كتاب الله تعالى كيان قائم بذاته، وهو خزان لحكم عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، ويتأتى فهم الآية ليس بالقراءة المباشرة، ولكن أن تكون ممتلئا بِهَمٍّ من شيء ما ثم تقرأ الآية بالصدفة أو تتذكرها فترى فيها ما لا يرى من لا هَمَّ به، فتدرك عظمة الحكمة الموجودة في الآية، وتخفى عليك منها باقي الحكم، وهي لا محدودة، فقد قالها اللا محدود، الله تعالى سبحانه!

حين يأذن الله بالفرج

﴿إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ﴾ [الأنفال: ٩]
﴿وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدرٍ وَأَنتُم أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ ۝ إِذ تَقولُ لِلمُؤمِنينَ أَلَن يَكفِيَكُم أَن يُمِدَّكُم رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنزَلينَ ۝ بَلى إِن تَصبِروا وَتَتَّقوا وَيَأتوكُم مِن فَورِهِم هذا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ﴾ [آل عمران: ١٢٣-١٢٥]

حين يأذن الله بالفرج يأتي واسعا غامرا مبهراً بلا حدود ... وعدهم الله ألفا، وهذا يكفي ويزيد، ولكن أمدهم بثلاثة ثم جعلها خمسا وهذه سعة ما بعدها سعة، يعد بألف ثم يجعلها خمسا ... ما هذا الكرم ... متى أذن الله بالفرج فلن يرضى بإعطاء القليل بل يغمر غمرا.

كلمة في المجاز في القرآن الكريم

﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه، فلا يوجد مجاز في القرآن الكريم كله. وأمثال الآية أعلاه كثيرة جدًّا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، كقوله تعالى "﴿إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلومًا جَهولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]"، وحديث حنين الجذع للرسول عليه السلام والحجر الذي كان يسلم عليه بمكة. وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها ؛ لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة، وهذا واضح جدًّا. وقد قال بعدم وجود المجاز في القرآن الكريم كله كل من شيخ الإسلام إبن تيمية وتلميذه إبن القيم رحمهما الله تعالى.

رجل عنده موهبة

﴿يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ أَفتِنا في سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلّي أَرجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمونَ﴾ [يوسف: ٤٦]

رجل عنده موهبة، لم يكن يحلم أن موهبته هذه ستنفعه، ولكن الله تعالى فقط بيده موعد نفعها، فلما حان وقتها وحان قطاف نفعها فتح الله تعالى له بها باب المُلْك ليصبح بهذه الموهبة مَلِك مصر، فمن كان لديه موهبة ولا يعلم كيف يستفيد منها فلينتظر، فالله تعالى سيدبر أمر الإستفادة منها فائدة عظيمة ... كان لدى نبي الله يوسف عليه السلام موهبتان، أحدها ظاهرة وهي جمال شكله فكانت وبالا عليه أدخلته السجن وأخرى باطنة وهي تفسير الرؤى وهذه جعلته يتولى مُلْك مصر، فسبحان الله العظيم.

لحظة خلق السماوات والأرض

يستطيع الناظر إلى السماء رؤية لحظة خلق السماوات والأرض وهي تخلق منذ ٤.٥ مليار سنة لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء فالنجوم التي كان يمكن رؤيتها من على الأرض في ذلك الوقت ستظل ترى حتى قيام الساعة لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء والصورة ستظل محفوظة حتى قيام الساعة فالناظر إلى السماء ينظرإلى تاريخ الكون فَلَو نظرت إلى نجم معين وكان بعده عنك يساوي مليار سنة ضوئية فأنت تنظر إلى نجم موجود من مليار سنة مضت لأن الكون يتمدد بسرعة الضوء فلذلك حين قال إبراهيم عليه السلام "﴿قالَ بَل رَبُّكُم رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ الَّذي فَطَرَهُنَّ وَأَنا عَلى ذلِكُم مِنَ الشّاهِدينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦]" فقد كان يتكلم عن أنه نظر في السماء إلى جهة رأى فيها السماوات منذ ٤.٥ مليار سنة، أي نجوم عمرها ٤.٥ مليار سنة وهو وقت فطر السماوات والأرض.

الفكرة

﴿سَواءٌ مِنكُم مَن أَسَرَّ القَولَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَن هُوَ مُستَخفٍ بِاللَّيلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ۝ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ يَحفَظونَهُ مِن أَمرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ ۝﴾ [الرعد: ١٠-١١]
﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعضَهُم بِبَعضٍ لِيَقولوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم مِن بَينِنا أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِالشّاكِرينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]

الذي يدخل الجنة أو النار هي الأفكار والفكر الذي يضمره البشر، فالفكر هو الذي يصدر العمل ويؤثر عليه، والعمل هو الذي يحاسب عليه البشر ... لماذا الكفار كفار والمؤمنون مؤمنون؟ ... لماذا اختار الكفار الكفر والمؤمنون الإيمان؟ وهل هناك أفضلية بين البشر يخلق الله تعالى أقوام فيجعلهم مؤمنين ويدخلهم الجنة وآخرون يجعلهم كفارا ويدخلهم في النار؟ ... هل هناك بشر مفضلون على بشر؟ وهل الأعمال التي يعملها الكفار هي سبب دخولهم النار؟ الجواب أن الكفار في داخل أنفسهم أخبث تفكير وأخبث منهج، لذلك لن يعتبرهم الله بشر يستحقون الجنة حتى يغيروا ما بأنفسهم من خبث ونجاسة، فمناط دخول الجنة التفكير والفكرة التي في داخل النفس، فالجميع بشر ولكن ليس الجميع يستحق الجنة بسبب أفكارهم التي أنتجت أعمالهم السيئة.

يَومٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ

﴿استَجيبوا لِرَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُم مِن مَلجَإٍ يَومَئِذٍ وَما لَكُم مِن نَكيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧]

الزمن إتجاه واحد والرجوع إلى الماضي غير ممكن وهو من أوهام كتاب الخيال العلمي فالآية واضحة والله رحيم فَلَو كان الرجوع بالزمن ممكنا لأعادهم إلى الدنيا.

المعاني لها أجنحة ولها رفيف

﴿وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤]
﴿فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها فَأَبَوا أَن يُضَيِّفوهُما فَوَجَدا فيها جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا﴾ [الكهف: ٧٧]

لا يوجد مجاز في القرآن الكريم والمعاني لها أجنحة ولها رفيف ولها أيدي وأرجل وفيها حياة، فالذل له جناح والمصائب لها رفيف وقراءة القرآن رجل جميل والعمل السيء رجل قبيح والجدار له إرادة فلا يوجد مجاز لا في القرآن ولا في اللغة كما قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.

لسلامة قلبك

لسلامة قلبك لا تسمع لأعداء الله ولا تسلم لهم قلبك، فهم أعداء وكلامهم ظنون وتخمينات بعكس ما جاء به دينك وكتابك فهي حقائق مفحمة "﴿وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلّا يَخرُصونَ﴾ [الأنعام: ١١٦]". ومعسول كلامهم ليس من السهل دائما الرد عليه من كل أحد ولا يستطيعه إلا العلماء الملهمون فإن لم تكن منهم فتجنبهم لكي لا ترتد عن دينك فتمت وأنت كافر وهل أنت أكثر يقينا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه "حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة غضب وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي".

إحذر حياء الناس

ألا لا تظلموا ألا لا يحلُّ مالُ امرئٍ إلَّا بطيبِ نفسٍ منه
الراوي : أنس بن مالك.
المحدث : ابن حجر العسقلاني.
المصدر : تخريج مشكاة المصابيح.
الصفحة أو الرقم: 3/193.
خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة].

إحذر حياء الناس من أن يطلبوا حقهم منك، فهذا لا يُعفيك وستحاسب عليه يوم القيامة، وعدم طلب حقهم منك قد لا يكون تنازلا منهم عن حقهم، فاسألهم قبل كل شيء إن كانوا قد عفوا عنك، فإن لم تسألهم ولم يعفو عنك فستحاسب على حقهم يوم القيامة، ولا تحرجهم في طلب العفو فقد يجعلهم الحياء يعفو عنك فلا يحل مال إمرئ إلا بطيب نفس منه كما في الحديث، فاتق الله.

عَلى مَكانَتِهِم

﴿وَلَو نَشاءُ لَمَسَخناهُم عَلى مَكانَتِهِم فَمَا استَطاعوا مُضِيًّا وَلا يَرجِعونَ﴾ [يس: ٦٧]
﴿أَوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِقادِرٍ عَلى أَن يَخلُقَ مِثلَهُم بَلى وَهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ﴾ [يس: ٨١]

يعاد خلق الإنسان على مكانته في الدنيا بحسنه وطيبته أو خبثه ونجاسته تماما كما كان في الدنيا، والجنة لا يدخلها إلا كل حسن طيب، فلا يستحق دخولها الأخباث والأنجاس، فلا يلجونها ولا تقبلهم، فمكانهم على مثل نجاستهم في النار، فهي ما يناسبهم، فاعرض نفسك على نفسك أين تجدها؟ حسنة طيبة أم خبيثة نجسة لتعلم مكانك، فإن لم تجدها حسنة طيبة، فاغسلها بالطاعات وقراءة القرآن والبعد عما ينجسها لتكون مناسبا لدخول الجنة بإذن الله. والحمد لله رب العالمين.

لفهم أعمق لآي القرآن

التوسع في المعنى: ويكون ذلك بأخذ معنى الآية التي تتحدث عن شيء معين ثم قول: ومثله كذا وكذا "﴿وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]"، فليس المقصود بالأمثال في الآية الأمثال المحدودة جدا المذكورة في القرآن ولكن الآيات التي يمكن التوسع في معناها وهي كثيرة جدا في كتاب الله العزيز مثل "﴿وَإِذا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيّوا بِأَحسَنَ مِنها أَو رُدّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيءٍ حَسيبًا﴾ [النساء: ٨٦]" يمكن أن تنسحب على كل عطية، وكذلك من مصادر التوسع في المعنى القصص القرآني فحين يقص القرآن قصة يمكن أخذ الأمثال عليها فبذلك يحدث التوسع، كقصة سيدنا يوسف وقصة سيدنا موسى عليهما السلام ... إلى آخره، كما في الآيات التالية:

﴿أَلَم تَرَ أَنَّ الفُلكَ تَجري فِي البَحرِ بِنِعمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِن آياتِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ ۝ وَإِذا غَشِيَهُم مَوجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ فَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَما يَجحَدُ بِآياتِنا إِلّا كُلُّ خَتّارٍ كَفورٍ﴾ [لقمان: ٣١-٣٢]

مِثْل الفلك التي تمخر عباب البحر، هذا ابن آدم يمخر عباب الحياة ليرى من آيات الله تعالى طيلة حياته، فهو يحتاج للصبر على بلوائها، والشكر على ما فيها من نعم. والحياة كالبحر تسير رتيبة طيبة يظنها ابن آدم تدوم على ذلك، فإذا بها تموج وتغشى الناس بموجها العاتي ما يجعل الحليم حيران، ولا يجد ابن آدم إلا اللجوء إلى ذي الجبروت ليُسكِّن موج الحياة العاتي برحمته، فإذا فعل وعادت الحياة رتيبة طيبة نسي ابن آدم ما حل به من قريب ونسي فضل الله عليه أن سكَّن موج الحياة العاتي وعاد يكفر ويخاتل غدرا بدل الشكر كأن لم يكن شيء، وفي الفلك والبحر ومثلها ابن آدم والحياة آيات للتدبر لذي فكر، فسبحان الله العظيم.

الحياة الطيبة

﴿ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذينَ صَبَروا أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ۝ مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [النحل: ٩٦-٩٧]

إذا كنت مؤمنا تعمل الصالحات فقد تكفل الله تعالى لك في الدنيا بالحياة الطيبة، وإن تأخر حصول ذلك، فالمطلوب منك هو الصبر، فسيحصل ذلك سيحصل لا محالة، وهذا غير أجر الآخرة، فلا تقلق فهذا وعد رباني.

قيام الليل

﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعلَمُ أَنَّكَ تَقومُ أَدنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيلِ وَنِصفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَن لَن تُحصوهُ فَتابَ عَلَيكُم فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ عَلِمَ أَن سَيَكونُ مِنكُم مَرضى وَآخَرونَ يَضرِبونَ فِي الأَرضِ يَبتَغونَ مِن فَضلِ اللَّهِ وَآخَرونَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المزمل: ٢٠]

كم هو عظيم قيام الليل، ولكن يجزئ عنه قراءة القرآن، فإذا كنت تكسل عن قيام الليل أو تستثقله فيكفيك بدلا عنه قراءة القرآن فأجره كقيام الليل فما أعظمها من جزية وما أعظمه من بدل، واليسير من القيام يجزئ عنه اليسير من قراءة القرآن والكثير يجزئ عنه الكثير. وفي الآية أيضا أن العمل لكسب الرزق مقدم على النوافل التي من أعظمها قيام الليل، ولكن لا تنقطع عن النوافل، فيخفف عن المترزق في العبادة إلى أيسرها وهو قراءة القرآن، والحمد لله رب العالمين.