الخميس، 16 مايو 2019

حرف النون

... كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ ... صحيح البخاري.

ذكرت كتب التفسير وغيرها آثاراً عن ابن عباس في وصف اللوح المحفوظ منها أنه قال: اللوح من ياقوتة حمراء أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك ، كتابه نور، وقلمه نور ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء: يرفع وضيعاً، ويضع رفيعاً يغني فقيراً ويفقر غنياً، يحيي ويميت ويفعل ما يشاء لا إله إلاَّ هو.

النون ليست من أصل الكلمة التي توجد فيها فهي حرف الذاتية الذي ينسب الكلمة إلى ذات معلومة كذات الله كما في الرحمن وذات الإنسان كما في الإنس والإنسان وذات الجن كما في الجن والجان وذات الشيطان كما في الشيطان وذات المتكلم كما في أنا والمتكلمين كنحن وذات الجمع كنفعل ونقول ويفعلون ويقولون وذات فلكية كنجم وذات طيبة الريح كريحان وذات صفة كنعمة ونقمة ونسمة ونسك وحسن وسكن ومبين.
النون تكون في الكلمات الذاتية التي تخترق النفس وتمتزج بها بعمق سواء كانت نفسا طيبة أو خبيثة مثل الدنيا والبنين والبنات واليمين والنخل والزيتون والرمان والنبات والحنين والأنين والنفس والإنس والجن والشيطان والزينة والغنى والدين والنصيب والنعمة والبطن والضأن والغنم والأنثى وإثنان وثمانية والحسن والميزان والنفع والإيمان والنظر والحنف والحنث والنسك.
ن أي أنا وليس هناك أنا أعظم من الله تعالى فقد كان ولم يكن شيء قبله فلم يكن معه شيء من مخلوقاته فلما خلقها سمح لها بالنون فصارت تقول أنا مثله ولكن هو صاحبها الأعظم الذي سيسلبها من جميع خلقه يوم يُفني السماوات والأرض ويبقى وجهه الكريم فاحذر من الأنا، تقول أنا وأنا بطرا وكبرا، فإنها خطيرة فلا تنازع الله تعالى في ملكه فهي له يستردها منك متى شاء.
ن والقلم وما يسطرون قسما بنون التي لولاها ما طاب الكلام ولا الأدب والتي هي حلية الكلام فلا يَجْمُل إلا بها ولا يستساغ، وهي التي تلون الكلام مع أن بدونها يمكن قول الكثير فمهمتها تسهيل الكلام وجعله واضحا سلسا سهلا يمكن تذكره وحفظه فهي بهار اللغة تجعله طيب المذاق مرغوبا شهيا يُشتاق إليه وهي موسيقا الكلام فبها يُطرِب الشعر الذي تتحرك به الجماهير ولها من إعجاز كلام الله نصيب وافر وبها يُثَبَّت الكلام فلا يتفكك، هذه النون القديرة زينت اللوح المحفوظ وما يسطره الساطرون ... والقلم هو القلم الذي يكتب به ما في اللوح المحفوظ وهو واحد لذلك جاء بالإفراد. ومايسطرون وهو ما يكتبه ملائكة تسجيل أعمال الناس وما يكتبه الكاتبون أينما كانوا منذ خلق الله القلم ... قلم واحد يُكتب به جميع ما يسطره الخلق على اللوح المحفوظ فالقلم يتحرك على اللوح المحفوظ بما يسطره الذين يسطرون فسبحان الله العظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق